اليوم عاد رمضان يطل علينا.. وكم نحن في حاجة إليه! وكم نحن مشتاقون إليه! بالأحضان يا رمضان.. أبارك لكم العودة.. وقرت أعينكم بلقائه وصيامه وقيامه وكل عام وأنتم ونحن ومن نحب ومن تحبون بخير وأمان وإيمان..
مع كل رمضان في السنوات الحديثة الآتية من جوف العولمة.. تدب الحركة في الأنشطة المختلفة المسموعة والمرئية والمقروءة! ترى وتسمع عن كل شيء.. المسابقات في رمضان.. المسلسلات في رمضان.. المنوعات في رمضان.. التبرعات في رمضان.. السهرات في رمضان.. المشتريات في رمضان.. المأكولات في رمضان!! حتى رجالات الصحوة والدعوة أصحبوا من لوازم الدعايات في رمضان!! يدب الضجيج ويملأ الحياة مع إطلالة رمضان وتسمعون قرقعة كل شيء.. وكأن هذا الشهر الفضيل شهر الاستثناءات في السنة، فيه من كل شيء شيء.. ما عدا تسليط الضوء الإعلامي على العمل الخيري الذي يركن إليه أساليبه المعتادة في كل عام وكل رمضان لا يتغير ولا يتجدد ولا تلاحقه الأضواء. فالناس لا يعرفون ما هي التنظيمات والإجراءات مثلاً لإقامة مخيمات إفطار الصائم، ولا يعرفون الضوابط المعنية بالحد من استغلال بعض ضعاف النفوس للتبرعات والمناسبات الخيرية الرمضانية! ولا يعرفون الإجراءات التي تتبعها الجهات الخيرية المخول لها خدمة الفقراء والضعفاء ولا يعرفون كيف يميزون بين العاملين والعاملات في الجمعية وبين غيرهم من الانتهازيين الذين يجمعون الأموال بحجة مساعدة الفقراء ثم ينفقونها على الإجرام والإرهاب!
كما لا يعرف الناس أنشطة الجمعيات الخيرية في تغطية احتياجات البؤساء والضعفاء والفقراء في رمضان.. وكأن هذه الجهات المعنية لا تتحرك في شهر الخير ولا تحصد ما تزرع!!! كذلك الناس لا يعرفون الإجراءات المتبعة لضبط الأسعار.. إن وجدت إجراءات!! ولا يعرفون الدور الذي تقوم به المجالس البلدية في هذا الشهر الكريم لتوطيد عرى التكافل الاجتماعي ولإحياء روح الشهر وروحانيته بين الناس! كما أن الناس يجهلون إن كانت هذه المجالس تحد من جشع الجشعين أو تزيده غلواً ومغالاة.. وهكذا أمور هامة تُعنى بمعاني رمضان وتعبر عنه في صميمه لكن الغياب عنها واضح وملحوظ.. وأمور تربط الناس بواقعهم وتعلمهم بركة شهرهم لكن أيضاً بعيدة كل البعد عن مسامعهم وعن شاشاتهم!! إنه لمن المؤسف أن يغيب عن الضوء كل ما يهم الناس باعتبارهم مشاركين لا متفرجين بينما يحضر كل ما يحض الناس أن يكونوا مستهلكين ومتفرجين!! مجتمع الرفاه يحتاج إلى تصحيح مسار التوعية فيه في المناسبات العظيمة.. ويحتاج إلى إعادة ترتيب العلاقة بين المواطن ومدينته، المواطن ومجتمعه!.. وإعلاء شأن الوطنية يتطلب احترامها وتعزيز قدراتها على البذل والتآخي والتكافل!
كل ما يحدث الآن لا يجعل الناس شركاء بل يجعلهم غرباء ينظرون إلى بعضهم ولا يحضنون بعضهم بعضاً حتى في الشهر الكريم.. العوم على السطح لا يحمي المجتمع من الطوفان.. وكل عام وأنتم بخير.