صباح ملؤه السلام والحب والخير..
أعود إليكم بعد استراحة قصيرة والتقاط للأنفاس اللاهثة من الركض المطرد في هذه الحياة.
قد تكونون افتقدتم النشاط وقد لا تكونون، لكني اجزم انكم افتقدتموه، فحين أنقطع عن الحديث إليكم أشعر بشيء ينكسر في داخلي، وآخذ في تذوق الذبول يوماً بعد يوم، وحين أعود، أحس كمن عاد إليه نبض قلبه ودفق دمه.
إن كان للرحيل متعة، فإن للعودة بهجة، وإن كان في بعض الغياب راحة، فإن في الحضور حياة.
قد نطوف العالم، ونسكن أجمل البقاع، ونغرق في طوفان الزحام الموشح بألوان قوس قزح الزاهية، قد نلهو ونلعب وننساق مع ما حولنا من بهرج، قد نعيش الزخرف والزينة، لكنا في الأعماق لا نجد الحياة إلا في الوطن، حنا علينا أو قسا، نعمت الحياة فيه أو خشنت، قد نشتكي قسوة شمسه ونتذمر من لفح هجيره، وقد نختنق بجفافه ورطوبته، ونضيق بغباره وملوحة تربته، قد نشعر بكل ذلك حقاً، لكنا في ثنايا نفوسنا نظل مهزومين بالحب والحنين إليه كلما بعدنا عنه ونأت بنا الدروب.
في بعض الأحيان، ينجح البعد عن الوطن في أن يغير مظهرنا، فيتبدل لباسنا وأسلوب عيشتنا، وقد ينجح أيضاً في أن يغير عاداتنا ونمط حياتنا، لكنه لا يقدر مطلقاً أن ينسينا أو يغير ما في داخل قلوبنا من ارتباط وثيق بالوطن وتعلق به يجعل من العودة إليه، بهجة تضيء بها وجوهنا بمجرد تنشقنا عبير الأرض والأهل والأصدقاء. وإلى الغد، حيث نطوي حديث السفر والترحال، ونبدأ في خوض أحاديث المجتمع والناس.