بلا مقدمات، اذا كان الحب فنا ككل الفنون فلا بد أن له شروطا تجعله فنا لا صناعة، ولا بد أن له أسسا قد يصلح أن يتعلمها المرء، ولا بد أن له تبديات تتدرج من الرخص والابتذال الى الشفافية والسمو، فهل هذا معقول؟
المعيار الصارم الذي خضعت له كل الفنون، كل أشكال الابداع، بلا استثناء واحد هو: أهو فن أم صناعة؟ وهو معيار بالغ القسوة اذ أن النتيجة المعلقة به تعني أن يكون أو لا يكون، وبالتالي أصبحت العفوية والتلقائية في الابداع، حتى وان كانت غفلا، ضمن أسباب الاعتراف بهوية المنتج كفن، مثلما أصبح أبسط قدر من التدخل، حتى وإن كان بمهارة حرفية عالية ومشهودة، مبررا لطرد المنتج من عوالم الفنون الى ورش الصناعة.
أشهر الموسيقيين، مثل موتسارت مثلا، قدموا روائعهم في التأليف الموسيقي وهم في سن الطفولة، وقبل أن يتعلموا قواعد التأليف، أو نوتة العزف، وكثير من الروائيين وكتاب القصة المشهورين عالميا ربما - مثل نجيب محفوظ مثلا، قدموا روائعهم التي تغلب عليها "الصنعة" ومهارة امتلاك قواعد الحكي أكثر مما تبدو عليها عفوية الفن الآسرة بانسيابها المحرر، الصانع لنفسه عوالمه السحرية الجميلة.. في كثير من الأحيان نشعر أننا إزاء صانع ماهر وليس ساحرا يملك أسرار تلك العوالم.
أن يكون "الحب" فنا كغيره من الفنون كارثة، فالحب توجه تحركه العاطفة بعد أن تكون قد سلبت من الارادة كل قدرتها على المراجعة أو التصدي أو الرفض أو النكران، والفن "مهارة اخفاء المهارة"، أو "فن اخفاء الفن" كما قال شاعر وناقد قديم هو هوراس، بمعنى أن يقترف الفنان عمله الفني ويمحو كل الآثار الدالة على وجوده والمثبتة لفعله، فلو أدخلنا فعل العاطفة ضمن هذا الاطار للفن أصبح الحب محفوفا بالمراوغة والتحايل وبكثير من الادعاء المتاخم لحدود الاحتيال، فهل بعد ذلك كارثة أكبر؟
لكن هذا ما يصر عليه الشاعر الروماني أوفيد، صاحب هذا الكتاب الشهير "فن الهوى" والذى يسرد فيه الحيل التي تستطيع بها المرأة أن توقع في حبالها رجلا تريده، ضاربا عديدا من الأمثلة من الأساطير ومن التاريخ، وبالمقابل يضع للرجال خططا للاستحواذ على امرأة يريدها..!
أترك كتاب القرن الأول قبل الميلاد الى كتاب اليوم بعد أن مر أكثر من ألفي عام على كتاب صاحبنا، وأتأمل صفحات لحالات الحب التي انتهى معظمها بطلاق مروع لأجد أن البشرية لم تتعلم الدروس الواجبة من تجارب الفشل على مدى ألفي عام، فحتى الراغب في حب امرأة لجمالها أو مالها أو نفوذها "صانع" اذا نجح وليس محبا شفافا وخالصا، أقول بصراحة جارحة أتأمل قصص الحب والزواج في حياتنا كما في أفلامنا، فلا أراها أكثر من "صور كرتون" تستلهم التاريخ، لتقدم للأطفال على قنوات شباب المستقبل..!